الجمعة، 20 نوفمبر 2009

مسرحية بعد أن يموت الملك

مسرحية بعد أن يموت الملك

- ملخص احداث المسرحية :

عاد صلاح عبد الصبور هنا ليناقش قضيته المفضلة وهي الطغيان حيث يقول الملك بطل المسرحية لقاضيه :

"مادمت انا صاحب هذي الدولة

فأنا الدولة ... أنا ما فيها، أنا من فيها...

أنا بيت العدل، وبيت المال، وبيت الحكمة

بل أنا المعبد والمستشفي والجبانة والحبس

بل اني انتم ، ما انتم الا اعراض زائلة تبدو في صور منبهمة وانا جوهرها الأقدس" (1)

نري هنا ان الشاعر صلاح عبد الصبور يتحرك في جو من التراث ويستفيد في شخصياته من الحكايات الشعبية، والأساطير ويظهر ذلك جليا في مشهد محكمة الأقدار ، وقسمة المرأة بين الرجلين فتذكرنا بقصة سليمان الحكيم مع السيدتين اللتين ادعتا بنوة طفل واحد حين قضي بقسمة الطفل بينهما فتنازلت الام الحقيقية عن حقها من منطلق الحب.

تبدأ المسرحية براويات ثلاث يقدمن العرض المسرحي في ثوب ساخر فيسخرن اولا من المخرج ثم من المؤلف ثم من ارسطو صاحب النظريات القديمةفي الفن عموما والمسرح بوجه خاص ويورد في التقديم ذكرا عن ملك مسرحيته القادر الذي يلمس الكائنات فتدب فيها الحياة يتركها فتموت، يأمر فيطاع يرغب فتطوع كل الاشياء لرغباته يشتري الشعراء والمؤرخين لكن هذا الجبروت لا يلبث ان يهتز امام الملكة حينما نعرف انه عقيم يوهم نفسه بأن لديه طفلا وعندما تكشف الملكة حقيقته بوضوح أمام عينيه يسقط ميتاً علي الفور وعن مليكته التي تبحث عن من يعطيها طفلا.

في قول المرأة الثالثة من بين الثلاث اللائي يقمن بالتقديم .

المرأة الثالثة : هو (ملك لاحدي المدن الكبيرة التي تقع علي مجري نهر، قد يكون بجانبها بحر واسع أو جبل شامخ. وهي مدينة واسعة طبعا تشقها طرقات كثيرة تتعرج احياناً وتستقيم احياناً أخر، وتتناثر فيها الأسواق والمعابد والصيدليات والحانات والسجون وأماكن أخري). (2)

وتحاول المرأة الأولي أن تزيل الخلط الذي احدثته ما قالته المرأة الثالثة وذلك من خلال :

(.......... اسمه علي الأزمان المختلفة كان أنوبيس الأول، وجورجياس التاسع، وابن طولون الثالث وعبد الرحمن الخامس ..... ) (3)

اي انه ملك غير محدد علي الرغم من محاولة إزالة الخلط وتعود المرأة الثالثة وتخبرناهدف المؤلف من هذه المسرحية.

- الشخصيات :

1- الملك :

- يحاول المؤلف منذ البداية ان يرسم لنا شخصية الملك فهو رجل راكد العاطفة يسعي الي تنبيه حواسه بأن يطلب من شاعره تجديد كلماته التي يقوم بتحفظيها للمحظيات ويثور علي تشبيهاته المكررة وعلي عبارة الكأس المقلوبة بالذات حيث انه لا يريد شعر المديح ولكن يريد شعر الحب.

- وهذا الملك جحود يستفيد بمشورة خياطه فيغير اللون الرسمي لازياء مملكته من الأزرق الي الابيض وفقا للون قطعة مخمل عرضها عليه الخياط وبعد ان يستفيد بالمشورة ويستحوذ علي قطعة المخمل يستأصل لسان الخياط.

- ونجد انه قد سأل مؤرخه عن فلسفة تبديل اللون من الابيض الذي كان عليه الي الازرق فأجابه بِأن اللون الابيض كان شعار المملكة لنسيان الماضي قبل عام من حكمه ثم جاء اللون البني شعار للحقد البني علي الماضي لا الحقد الاسود عليه أما اللون الأزرق اصبح لونا للمطلق.

- وعندما استفاد بمشورة المؤرخ واستحوذ علي قطعة المخمل استقر علي إعادة اللون الأبيض وطلب من الخياط ساخرا منه الذهب كمكافأة علي فكرته وأمر الجلاد بأن يقتله حتي لا يتباهي امام الرعية بإلهامه اياه وكي لا يمجد الخياط نفسه امام زوجته ثم خفف العقوبة بأن أمر الجلاد ان يقطع لسانه حتي لا يتكلم.

الملك: واتتني فكرة

يا جلاد اطلق رأسه

وأنزع اصل لسانه

من حنجرته

حتي تنجو الدولة من ثرثرته

اذهب اذهب (4)

2- الملكة :

شخصية مختلفة عن الملك فهي متوهجة الاحساس رغم انها تبدو لاول وهلة متفقة مع الملك حيث يدللان معا طفلا وهميا.

الا ان الملكة انجذبت لطبيعتها الأنثوية واعلنت انها لا تملك طفلا حقيقياً واعلنت عن رغبتها في هذا الطفل الا ان الملك قد رد عليها بأنه لا حاجة لهم لأمتلاك طفلا الا ان الملكة تبرهن علي اهمية وجود الطفل الحقيقي والا إتخذت عشيقاً ليمنحها اياه ويوافق الملك علي شرط ان يقتله بعد أداء مهمته الا ان الملكة تثور وترفض علي هذا الشرط.

الملكة : الطفل..!

انك تدري انا لا نملك طفلاً

انظر... هذا فراشي خال لا تتحرك فيه اطراف

الوهم..

ساقا الوهم ... ذراعا الوهم

هذا طفل من كلمات

امضت بك اللعبة حتي هذا الحد

ما اغرب ما صنعته السنوات بنا نمت الكلمات الي ان صارت اشباحا وظلالا

لكن ما اصعب ان تصبح هذي الكلمات الثلجية مخلوقاً من لحم دافئ

ليس لنا طفل!

ليس لنا طفل!

......................

الملك : ليس لنا طفل! لكن ماذا نفعل بالطفل حرمتنا اياه الاقدار فعشنا طيرين

طليقين سعيدين وخلقنا هذا الوهم لتزداد سعادتنا ... تتجدد

................

الملكة : وانا كنت سعيدة

حتي داهمتني موسيقي الليل، فعرتني من اوهامي لا اقدر الا ان اتعري في

حضرة موسيقي الليل

ردي لي طفلي!

ردي لي طفلي!

أو فأعطيني طفلاً آخر

"تبكي"

دعني أتخذ عشيقاً (5)

ومن تلك اللحظة يستقل كل منهما بأفكاره ويتمسك بها ثم يستقبل الملك طير الموت الأسود ويموت وتظل الملكة شخصيتها متمكنة ومسيطرة فالملك قد مات ولكن مطلب الملكة في الاخصاب مازال قائماً وتنظر اليه بعين حانية راضية لكنها لا تحبذ رغبة الاخرين في ان يعود الي الحياة .

الملكة : (.......إني احضنك بعيني لأبعث فيك الأمان .......(6)

3- الشاعر:

شخصية الشاعر تتميز من البداية برفض احتقار الملك له رغم تبعيته له وذلك من خلال رفض الشاعر اعطاء الملك ما يطلبه من الشعر بدقة وتسيطر تلك الشخصية سيطرة تامة علي الاحداث وتتبعها الملكة رغبة منها في تحقيق هدفها والحصول علي الطفل.

ان الشاعر يرفض هو الاخر رد الملك الي الحياة مثله في ذلك مثل الملكة

ولقد عرض علي الملكة مصاحبته لها بعد ان فشل الوزير والمؤرخ والقاضي في منحها الطفل الذي تمنته من الوزير ولو كغصن من اشجار.

- الصراع :

يتمثل الصراع بين الملك كبطل أول وبين الملكة .

ويستمر الصراع هكذا الي ان يموت الملك في نهايته أمام اصرار الملكة علي اتخاذ عشيق والابقاء عليه

الملكة : لا ..... لن تقتل رجلا أعطاني زهرة.(7)

وهذا الصراع صراع منطقي متدرج ينبع منطقه من شخصية كلا منهما ويتدرج الي ان يصل الي الذروة في اصرار الملكة علي العشيق وفي داخل الملك باستقبال طير الموت الاسود .

وبعد ذلك يبدأ بحث الملكة عن من يعطيها الطفل من الاحياء لا من الملك الميت لان الاموات لا يمنحون الحياة.

والصراع بين البطل الثاني (الشاعر) وبين طيف الملك الميت فلقد كان الشاعر منذ البداية مختلفاً عن باقي الشخصيات المطيعة مثل الوزير والقاضي والمؤرخ.

وتبدأ نقاط التلاقي بين الملكة والشاعر فكلاهما يحب الموسيقي وهي تحب الشعر مثله وهي قبل كل شئ ارض مخصبة وهو باذر جيد .ونلاحظ ان الشاعر قد قاد الصراع بصورة جيدة فعند خروجه مع الملكة واصطحابه لها ارسلت الحاشية الجلاد لاستعادتها فقتله بسيفه (سيف الجلاد نفسه).

وجاءت السيدات الثلاثة كي تقترح حلولا ثلاثة للعقدة وكان الهدف من ذلك ازالة الوهم ومخاطبة الجمهور واشراكهم في حل المشكلة.

الحل الأول :

هو الحل الاسطوري المتمثل في الشكوي الي محكمة الأقدار والذي صارع فيه الشاعر النساء المؤتفكات به وهو في رحلته الي عالم ما بعد الموت.

حيث قضت بأن تنتزع الملكة منه وتوضع الي جوار الملك ويذهبان معا الي العالم الاخر الا ان الشاعر لم يستسلم ورفع الامر الي محكمة الأقدار التي تحكم بقسمة المرأة بينه وبين الملك السابق ولكن الشاعر يرفض هذا الحل من منطق الحب :

مهلا قضاة الأقدار

ان يك هذا هو حكمكم المبرم

تمزيق الجسد وسفح الدم

فأنا اتركها له"(8)

الحل الثاني :

هو حل رمزي قريب من المباشر يشير الي قشرية هذا البنيان الذي كانت تقوم عليه مملكة ذلك الملك فالحاشية تنتظر الطفل حتي يكبر ثم يحاول ان يضع التاج علي رأسه لكنه يتفتت وعندما يشرع في الجلوس علي كرسي العرش ينهار به وتهتز الجدران وتسقط استارها. وينتهي هذا المشهد بالوزير يقول له:

" لن نقدر يا ولدي، لن نقدر

انا محبوسون بهذي الغرفة

فقد احتل امير البر الغربي

بقي غرف القصر" (9)

الحل الثالث :

اقترب فيه المؤلف من مقصده عندما ترك الشاعر يتسلم زمام المملكة وأرسل الحاشية الي حيث ذهب الملك الميت في هذا المصير والذي يتناسب مع مقدرتها.

ان الطبيعة المكونة للمدينة من النهر والزهر والمزمار لابد وأن يكون قرينها أو من يتماثل معاها هو الشاعر من حيث حبه للحرية وغزارة مشاعره ونظافة معدنه، إن هذا الشاعر قوي ، فلقد قتل الجلاد بسيف الجلاد نفسه وغلب بالحجة منطق قضاة الأقدار وراقب بالصبر فشل إبن الملك حتي تداعي به البنيان ، ثم أنه في نفس الوقت متوسل بالخدمة للملكة والتفاني في الولاء لها بالإضافة الي منحها المستقبل والرؤي.

- الرموز :

- الملك (الزوج) يرمز المؤلف للحاكم بالزوج بما يحمله من معني الولاية والمسئولية والعطاء وانجاب الأطفال (رمز المستقبل)

- وبرمز ايضا الي حرص الحاكم علي منصبه رغم عجزه عن تحويل كلماته الي واقع ملموس وتتضح المفارقة بين القول والفعل في مغازلته الحسية الجارحة للمرأة الأولي في صف النساء ولكنها عندما تحدثت عن الحقل وإخصابه تضجر منها ونزعها من ذراعيه واعادها للصف. (10)

- ان القصة الخارجية في مسرحية بعد ان يموت الملك توازيها قصة داخلية يجسدها المعني الداخلي حيث تحكي قصة الملكة التي تعاني من انانية الملك وضعفه وعقمه ويجسد المعني الداخلي معاناة الوطن من تسلط الفرد وعجزه عن العطاء في الوقت نفسه.

- ويتطلع الوطن (الملكة) الي ذلك اليوم الذي يتخلص فيه من ذلك الأسر وتلك الأنانية والعقم بموت الحاكم دون سيف فيتحرر من ذلك القيد ويستطيع ان يختار من يمنحه المستقبل فينتج ذلك الوطن وينعم بحياة طبيعية مع أبنائه.(11)

الهوامش :


1- صلاح عبد الصبور : صلاح عبد الصبور الأعمال الكاملة، بعد أن يموت الملك ، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص26.

2- المرجع السابق : ص9.

3- المرجع السابق: ص 10.

4- المرجع السابق : ص43.

5- المرجع السابق : ص54- 56.

6- المرجع السابق : ص74.

7- المرجع السابق : ص59.

8- المرجع السابق : ص129-130.

9- المرجع السابق : ص136.

10- عبد الحفيظ محمد حسن: الأصالة والمعاصرة في مسرح صلاح عبد الصبور، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر،1994 ص 103.

11- المرجع السابق: ص 107.

للمزيد من الاطلاع في الموضوع السابق :

1- كمال محمد اسماعيل: الشعر المسرحي في الادب المعاصر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1981.

2- محمد السيد عيد: التراث في مسرح صلاح عبد الصبور، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1984.

3- احمد شمس الدين الحجاجي: المسرحية الشعرية، القاهرة، دار الهلال،1995.

4- www.wikipedia.com

5- http://www.saihat.netl

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق